مشهد من "كف القمر"
كتب جمال عبد الناصر
لا شك أن مساحة دور غادة عبد الرازق، فى السيناريو الذى كتبه ناصر
عبد الرحمن لفيلم "كف القمر"، ليست هى ما ظهرت على الشاشة فى العرض الخاص
الذى عُرض فى افتتاح مهرجان الإسكندرية السينمائى.
فبعد انتهاء العرض، الذى لم تحضره غادة عبد الرازق وحضره كل أبطال الفيلم
تقريبًا خالد صالح وجومانة مراد وحورية فرغلى وحسن الرداد وصبرى فواز
والمخرج خالد يوسف، تهامس كل من شاهد العرض من النقاد والصحفيين عن المساحة
التى ظهرت فيها غادة بالفيلم، فبعضهم رآها لا تتناسب من نجوميتها ولا مع
المكانة التى كانت تحتلها غادة مع المخرج خالد يوسف فى أفلامه.
والسؤال هنا: هل حذف المخرج خالد يوسف مشاهد لغادة عبد الرازق من الفيلم
متأثرًا بخلافه الفكرى معها حول الثورة ومبارك؟ الجميع أكد ذلك الأمر، فمن
يشاهد الفيلم يشعر أن هناك مشاهد ما تم حذفها، والمتابع والمدقق فى الحوار
يستشعر ذلك الأمر، فعلاقة غادة بأسرتها لها مشاهد تم حذفها بالتأكيد، كما
تم بالتأكيد حذف مشاهد عديدة لها فى علاقتها بخالد صالح.
وما يؤكد هذه الظنون هو خروج الممثلين اللذين يجسدان أخوات غادة فى الفيلم
مستاءين من بتر عدد من المشاهد كانا مشاركين فيها تجمعهما بغادة وشعبان
حسين وخالد صالح، وهى تلك المشاهد التى تبين حقيقة الصراع العائلى بين
عائلة غادة وأخواتها وبين عائلة خالد صالح.
وعلى الجانب الآخر، فرد المخرج خالد يوسف مشاهد جومانة مراد، التى تجسد
شخصية ليست شريرة بالمطلق وإنما إنسانة بسيطة تسبب الفقر والجهل فى تحويلها
إلى بائعة هوى لتواصل حياتها فى ظل ظروف صعبة، فهى إحدى ضحايا مجتمع فشل
فى تحقيق طموحات مواطنيه وإرضاء رغباتهم وغرائزهم المنطقية.
ربما يكون المخرج خالد يوسف محقًا فى حذف مشاهد عديدة من السيناريو، وأخرى
فى المونتاج، لأن الفيلم يحمل مساحات من التطويل، وهذا ما استشعره كل من
شاهد الفيلم، لكن لماذا حذف من مشاهد غادة وترك مشاهد بقية الممثلين دون
حذف ؟ هنا كان يجب عليه أن يحكم ضميره الإبداعي، وينحى خلافاته مع غادة
جانبًا، لأن الفيلم فى النهاية يحمل اسمه، فلماذا يقوم ببتر أو تشويه شخصية
محورية من شخصيات وبطلات فيلمه.
وبعيدًا عن الإحساس بطول الفيلم، وبعض المشكلات فى الماكياج والتطور
الدرامى، فإن الفيلم يحمل الكثير من عناصر الجودة، وجدير بأن يكون فيلم
افتتاح المهرجان ويمثل السينما المصرية فى مسابقة المهرجان الرسمية، خاصة
أن الفيلم لغته وحواره يتميزان بالشاعرية، بالإضافة للمعانى المتعددة التى
يطرحها، حيث يقدم حدوتة بسيطة لمجموعة من الأخوة الذين يعيشون حياة بسيطة
بكل ما فيها من مشكلات وأزمات وفقر وحاجات مكبوتة، فسرها البعض على أن
شخصية "قمر" الأم هى رمز لمصر المسئولة عن أبنائها، والتى طالبت الأخ
الأكبر بلم شملهم ليكون وحدة واحدة ونسيجًا واحدًا، وتعددت التفاسير
والتأويل، وهذا بكل تأكيد فى صالح الفيلم، فالتلقى غير الأحادى وغير
المباشر هو متعة الفن.
والفيلم يحمل أيضًا مباراة فى التمثيل بين جميع الممثلين، بداية من الأم
وفاء عامر التى جسدت مراحل عمرية مختلفة، ومرورًا بخالد صالح الذى برع فى
تجسيد الأخ الأكبر وهو يحاول لم شمل أسرته، وبغادة عبد الرازق التى تحكمت
ببراعة فى انفعالاتها فى كل مشهد قدمته، وانتهاءً بصبرى فواز الذى يحتل
مساحة أكبر مع كل فيلم جديد لخالد يوسف ويزداد تألقًا معه.